بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم وكل عام وأنتم بخير، ربنا يتقبل منا ومنكم رمضان ويفتح علينا وعليكم، سنبدأ سوياً بإذن الله ثلاثين حلقة في رمضان نتكلم عن برنامج يحكي عن أسماء الله الحسنى، برنامج باسمك نحيا.
خصوصية المكان :
خصوصية المكان وعلاقته بأسماء الله الحسنى، وأنا مستشعر جلال وهيبة فهو معنى رائع جداً أنك تتحدث عن الله سبحانه وتعالى من أمام بيت الله، وفوق الكعبة في السماء السابعة البيت المعمور تطوف به الملائكة، وفوقه عرش الرحمن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة )، وأتخيل أن الملايين الذين يرونا الآن بداخلهم شوق عجيب تدمع أعينهم، يتمنوا وجودهم هنا وطوافهم هنا، أتعرفون الآية : ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً...))(125) البقرة، مثابة : هو كل ما تبعد عنه تشتاق له أكثر وترغب في العودة إليه، وأمن : تدخل تستريح وتطمئن.
وليست فقط هيبة المكان أستشعرها الآن، بل والذكريات تراودني ونحن نسجل عن أسماء الله الحسنى من هنا، أتذكر جدنا سيدنا إبراهيم وهو قادم لهذا المكان والله يأمره ببناء الكعبة، هو وسيدنا إسماعيل تخيل عند سماعك الآية، ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))(127) البقرة، تخيل سيدنا إبراهيم والله يأمره : ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...)) (27) الحج، وتخيله وهو يقول : يا رب وأنى يبلغ صوتي ! ويقول له الله : يا إبراهيم، عليك الآذان وعلينا البلاغ، ويقف سيدنا إبراهيم يقول : يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تحجوا فحجوا، ويصلنا نحن الآذان، فيأتي الملايين اليوم ونحن معهم وتمتلئ مكة، وكلنا نقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، هذا المكان كان يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم، وأسرى منه النبي مع سيدنا جبريل في رحلة الإسراء والمعراج، ووقف به النبي صلى الله عليه وسلم ووضع الحجر الأسود بيده.
خصوصية الزمان :
أما تجليات الزمان فنحن في رمضان، الذي يتجلى فيه الله تعالى على الناس برحمته وكرمه وعفوه، تتجلى أسماء الله الحسنى : العفو الكريم الغفور اللطيف الرحيم، أترون كيف نحن محاطين بأسماء الله الحسنى في الشهر الكريم ! وبرحمات من الله في أسمائه الحسنى !
موضوعنا :
سنحيا معاً وكل يوم من رمضان مع اسم من أسماء الله الحسنى، اخترنا ثلاثين اسم وكلهم أسماء وردت في القرآن، نحكي عنهم ونحيا معهم ونرى آثاره في حياتنا وفي مجتمعاتنا وتجلياته علينا، وربما من شدة تأثرك بالاسم تحيا به، حلقة اليوم هي مقدمة لن نتحدث فيها عن اسم معين، بل عن كل الأسماء، وستكون مكونة من أربع محاور :
المحور الأول : هدف البرنامج وأهمية موضوع أسماء الله الحسنى.
المحور الثاني : كيف يدلل الله على أسماءه الحسنى لتعرفه بها ؟
المحور الثالث : لماذا سمينا البرنامج ( باسمك نحيا ) ؟
المحور الرابع : ملاحظات عامة سنتفق عليها.
هدف البرنامج :
ببساطة شديدة : هدف أسماء الله الحسنى كلمة واحدة فقط وهي معرفة الله، لو عرفته لأحببته وأطعته وتمنيت رضاه واشتقت لجنته ولدمعت عيناك شوقاً لها، و ستخاف كل الناس الموت وأنت تشتاق للقائه ! لو عرفته لذبت شوقاً إليه ! لو عرفته لما أغضبته أبداً !، لن تشد على نفسك في رمضان بالعبادة والذكر والقرآن والصدقات والخشوع إلا لو عرفته، لن تمتنع عن معصيته إلا لو عرفته، حتى وإن كانت سهلة ولا يراك أحد لن تغضبه لأنك عرفته.
" إذا عرفت الآمر سَهُلَت الأوامر " أحياناً تعصاه وأنت غير مدرك من عصيت وأغضبت ! وتعتقد أن ذنبك صغير ! انظر إلى من عصيت ولا تنظر إلى حجم الذنب، كلما عرفته استسلمت وكلما عرفته رضيت بقضاؤه، وربما يكون مصاب شديد أحل بك لكن تتذكره فتهدأ وتستسلم، إذا عرفته رأيت حكمة ما بعدها حكمة وعلم لا ينتهي إليه أي علم ووجدت ود ولطف ورحمة وشفقة، ولدي كلمة من وجهة نظري ربما تكون خاطئة وهي : أن الدين يتلخص في ثلاث كلمات : معرفة تؤدي إلى طاعة تؤدي إلى سعادة، ولذلك في سورة طه : ((طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ()) طه، فكل الآيات تعريف بالله، فهذا الدين ليس للشقاء بل للسعادة، والسورة تقول أنك لن تشقى إذا مشيت مع الأسماء الحسنى.
أما بقية سورة طه فتحكي أن السعادة مع موسى والشقاء مع فرعون، وموسى عرف فأطاع فسعد وفرعون لم يعرف فعصى فشقي، هل فكر أحد في كلمة حسنى؟ كلها جمال وكمال وجلال ترفعك لأعلى، وهدف البرنامج أن نعرف الله من خلال أسمائه الحسنى وكلما عرفته ازددت حباً واستسلام وبذل، وإليك هذا المثل : سيدنا عبد الله بن حذافة كان قبل الإسلام لا يبذل في شيء أما بعد الإسلام فأسره ملك الروم ليقتله وقال له: اترك دينك وأعطيك من المال كذا وكذا، قال : والله لو أعطيتني كل مالك على أن اترك ديني ما تركته، قال : تتركك دينك وأشاركك معي في ملكي، قال: والله ملك الدنيا لا يساوى عندي شيء، فقال: إذن أقتلك، فقال : افعل ما شئت، فقال: صوبوا إليه السهام ولا تقتلوه لتؤذوه.. اضربوا السهام على يديه، فبدءوا على يديه، توجعه، يقول: تترك دينك؟ يقول: لا والله.. قال: اضربوا السهام على قدميه، تترك دينك؟ لا والله، فقال: خذوا اثنين من أصحابه وائتوا بإناء ضخم جدا فيه ماء مغلي.. زيت مغلي وألقوهم في الزيت المغلي، فرموا اثنين من المسلمين الذين معه في الزيت المغلي..تترك دينك؟ لا والله..خذوه فألقوه في الزيت..وهم آخذيه ليلقوه فبكى.. فقال لهم: أحضروه، فعاد سيدنا عبد الله بن حذافة، فقال ملك الروم: بلغني أنك قد بكيت، قال: نعم، قال: إذن تترك دينك؟ قال: لا والله، قال: فلم بكيت؟ قال: بكيت لأن لي نفساً واحدة ستخرج في سبيل الله، وكنت أتمنى أن يكون لي بعدد شعر جسدي أنفس تخرج واحدة بعد الواحدة في سبيل الله.
الخنساء قبل الإسلام، مات لها أخوها صخر فملأت الجزيرة العربية بكاء. بعد الإسلام عرفت الله ومات أربع من أولادها، قالت: الحمد لله الذي شرفني أنهم ماتوا شهداء ! عرفت ربها الخنساء فلما عرفته استسلمت لقضائه ورضيت بقضائه.
ولمن يقولون : نحن نعرف الله، أقول لهم : لا أنا لا أتكلم عن المعرفة السطحية، أنا أتكلم عن معرفة متغلغلة في خلايا جسمك، معرفة إذا مُنِعت عنك تموت، معرفة تجعلك تقول : هذه المرأة التي ماتت تذكرني باسم الله كذا، والموقف الذي حدث لي من مديري يذكرني باسم الله كذا، وابنتي الصغيرة التي ابتسمت في وجهي تذكرني باسم كذا.
لقد خلق الماء لهدفين: هدف صغير وهدف كبير، الهدف الصغير كي ترتوي وتعيش، لو شربت الماء وارتويت وقفت عند الهدف الصغير، ولكن لو شربت الماء وانطلق عقلك إلى الرزاق وقلت لنفسك سبحان من عَلَّق رزقي في سحابة مارة في السماء، تكون بهذا قد انتقلت إلى الهدف الكبير من خلق الماء وهو معرفة الله وباسمه الرزاق.
أتعرفون الحديث عندما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل الصحابة جالسين وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال النبي: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداُ رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فحدثني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هل انتبهت لترتيب أسئلة سيدنا جبريل: إسلام..إيمان..إحسان، ولماذا سأل عنهم مع الإحسان؟! لأن تطبيقك للإسلام والإيمان بدون أن تستشعر معرفة الله يجعل الإيمان والإسلام أجوف بلا إحساس..
أتعرف الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، كحديث سيدنا حارثة وهو18 سنة.. يذهب له النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقاً يا رسول الله، فقال النبي: يا حارثة إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال: أصبحت وكأني أرى عرش ربي بارزاً –كأني أرى عرش الله- وكأني أرى أهل الجنة يتنعمون في الجنة، وكأني أرى أهل النار يصطرخون في النار، فعزفت نفسي عن الدنيا – سوف يطبق الإسلام- فأسهرت ليلي بالقيام وأظمأت نهاري بالصيام، أنظر ماذا سيقول له النبي: قال يا حارثة عرفته فألزمه.. هذه هي المعرفة التي جئت أتكلم عنها.
أتعرفون الحديث الذي نحفظه جميعا: (( لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة )) والكثير من الناس يتوهمون أن الإحصاء هو العد والحفظ وتسميع الأسماء، ولكن حتى علمياً فالإحصاء غير العد وكذلك قرآنيا حيث تقول الآية: (( لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا )) (94)مريم، عندما أقول لك لقد استوعبت ما فيهم وحللتهم فهذا يعد إحصاء.
أتذكرون النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه ابن عمر يقول: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) يقول ابن عمر: "فرأيت النبي يرفع صوته ويقول: (يمجد الله تعالى نفسه – النبي يريد أن يقول لنا عش مع أسماء الله الحسنى- يقول: أنا الملك أنا الجبار أنا العزيز أنا المهيمن" يقول ابن عمر:" فرأيت المنبر يرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد اهتز الخشب يا إخوة للجلال، يقول: " فتحركت خشية أن يقع النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر".
كيف يدلل الله على أسماءه الحسنى لتعرفه بها ؟
لقد جعل الله وسيلتين لتتعرف على الله سبحانه وتعالى وأسماءه الحسنى وهما: كتاب يقرأ، وكتاب يُنظر.. القرآن والنظر إلى الكون.. مدار القرآن هو توحيد الله تبارك وتعالى وأسماء الله تبارك وتعالى ولنرى ذلك:
1. أول آية نزلت من القرآن تقول: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))(1) العلق، وانظر إلى كل سورة في القرآن فإنها تبدأ بـ : بسم الله الرحمن الرحيم، وكأن الله يريد أن يقول لنا ابدءوا كل عمل بها..
2. انظر لسورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن فكلها أسماء الله الحسنى: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )) (الفاتحة:1-4) ولابد أن تقرأها في كل صلاة..
3. كذلك أعظم آية في القرآن آية الكرسي وهي تحتوي على ست أسماء في آية واحدة: (( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ..)) ثم يشرح لك دلائل الحي القيوم: ((.. لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ٌ..)) إلى آخر الآية، إن آية الكرسي أعظم آية في القرآن لأنها تعرفك بالله سبحانه وتعالى وأسماءه الحسنى، ونكمل إلى آخر الآية: ((..وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا..)) وختامها: ((..وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة:255)، هل لي أن أسألك وأنت تقرأ آية الكرسي وجميعنا نحفظها ونحبها ونختم بها الصلاة حتى الكثير من غير المتدينين يحفظونها فهل فكرت في العلي العظيم مرة أو تحرك قلبك وأنت تقرأها منذ سنين؟ هل اهتز قلبك مرة وأنت راكع وتقول سبحان ربي العظيم؟!
4. وكذلك السورة التي تعدل ثلث القرآن: (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) انظر ماذا تقول: (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ)) (الإخلاص:1-2).. منذ كم سنة وأنت تقرأها وتصلي بها سريعا؟! هل في يوم من الأيام أحسست بالصمد ؟ أتعرف معنى اسم الله الصمد ؟ الصمد هو الذي يُلجأ إليه عند الشدائد,, لمَ ؟ لأنه أحد لا يوجد غيره ولذلك يقول الدعاء يا صمد من لا صمد له.. يا سند من لا سند له. إن النبي يقول عن هذه السورة أنها تساوي ثلث القرآن لأنك عرفت بها أن لا إله إلا الله وعرفت أنه صمد وبالتالي لن تلجأ لغيره وبالتالي لن تخاف من غيره وبالتالي لن تذل نفسك لأحد وبالتالي هو الرزاق هو المعطي هو الذي يخرجك من المصائب لأنه الصمد، ألست حزينا على عمرك الذي مضى ولم تعرف الصمد ؟
5. ومن إعجاز القرآن أن يفصل لك الأمور ويشرح عدد من الآيات ثم يختمها بأسماء الله الحسنى، ومن الأمثلة على ما قلنا هذه الآية الطويلة: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا )) إنها قصة، وانظر لختام الآية: ((..وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) (260) البقرة.
يا جماعة اقرءوا القرآن هذا العام لتعرفوا الله وأسماءه الحسنى، ولن تجد صفحة واحدة ليس فيها ختام الآيات بأسماء الله الحسنى كي يخبر أن الذي فات هو تفصيل يجمل، فسبحان من بسط بدائع صنعه ثم طواها في أسماءه الحسنى، وسبحان الذي يفصل ويجمل، وسبحان الذي يعرض عليك الكون: (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) (38) يس.. ثم تأتي بضع آيات يتكلم فيها عن الكون وقدرته في الكون ثم تختم بـ : ((..لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )) (12) الطلاق. هل من الممكن أن نقرأ القرآن على هذه الصورة هذه السنة ونحن نبحث عن أسماء الله الحسنى.
وبدون أن أقصد فتحت الآية التي تقول : ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) )) النور. أرأيت كيف يعرفك الله على أسماءه الحسنى في كتابه المقروء القرآن، وكيف يحببك في أسماؤه ويطلب منك ويأمرك أن تدعوه بها ! (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا...))(180) الأعراف. توسل إلى الله بأسمائه الحسنى أثناء الدعاء ليستجاب لك، ولتكن التي لها علاقة بموضوعك.
سوف نفيدك فائدة قبل أن يستجاب دعاءك ! هي أن تعرف أسماء الله الحسنى، فلتدعو بالأسماء التي لها علاقة بموضوعك : لديك مشكلة مادية ؟ ادع باسم...الرزاق...الفتاح...الوهاب، الأمة مقهورة ؟ فلتدع بالعزيز الجبار القوى، تريد أن تثبت بعد رمضان ؟ فلتدع بالهادي الحافظ، تريد أن يفتح الله عليك بالعبادة في رمضان ؟ فلتدع بالفتاح. أرأيت كيف يعلمك القرآن التعامل مع أسماء الله الحسنى، ولو كنت تسمع الشمس والجبال والقمر والبحار، لسمعتها تقول : لا اله إلا الله ! ((...وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ...))(44) الإسراء، لكن بإحساسك تستطيع الشعور بذلك.. الألوان والطيور تنادى على البديع ! أصابع المذنبين تشير إلى الغفار، الميت كل يوم يشير إلى الحي الذي لا يموت، الغريق ينادى على المغيث، الكون كله يسبح.
تخيل لو أحدهم لم ير من قبل معجزة الليل والنهار، والله لسجد لله سبحانه وتعالى (( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ...))(6) الحديد، لو لم ير أحدهم شروق الشمس ثم أشرقت عليه لقال : لا إله إلا الله ! من كثرة ما يسبح الكون الله تشعر وكأنه يرسل لك رسائل، قائلاً : اعرف الله، فالمطر أثناء نزوله يقول لك : اعرف الرزاق، الناس وهم يموتون ونصلى عليهم، يقولون : اعرف الحي الذي لا يموت، أتعلمون بما أشعر ؟ أن الكون مسجد كبير، تعرف منه أسماء الله الحسنى، (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ))(44) الإسراء، صحيح لن تفقه لكن الإحساس موجود.
لماذا سمينا البرنامج ( باسمك نحيا ) ؟
لأن الكثيرين يتعاملون مع أسماء الله الحسنى من أجل التبرك بها في المناسبات فقط، والكثيرون يحفظونها لكنهم غير متخيلين أن كل دقيقة في حياتنا لها علاقة بأسماء الله الحسنى، نريد أن نقول لهؤلاء : أن حياتنا كلها دائرة مع أسماء الله الحسنى، والكون كله يدور معها.
أتعلمون ما هي أكثر سورة جاءت بها أسماء الله الحسنى متوالية ؟ سورة الحشر ((هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) ))، وسورة الحشر تتكلم في الأصل عن معركة بين المسلمين واليهود انتصر فيها المسلمين، لكن لماذا بهذه الكثرة ؟ لكي نتعلم شيء مهم جداً وهو : أن أسماء الله الحسنى عملية لانتصار الأمة، وهي ليست بعيدة عن حياتكم.